23 نوفمبر 2014

امتلاء~

لاأظن أن هناك ما أو من يحرمني من حريتي أكثر من ذلك الجزء مني الذي لاأعرفه جيدا والذي تركت له سلطة التحكم في كل ذرة مني  دوأن أذكر كيف جرى ذلك أو متى , هل كانت صفقة أو هبة أو مقايضة أم أنه كان تنازلا مهينا؟ لا أعرف ولم يعد يهمني أن أعرف أي شئ ...
أحب أن أكتب , أكتب ذلك مرارا وتكرارا , كتبته عشرات المرات ولازلت مؤمنة بأنني أحب أن أكتب , لازلت متمسكة بحقي في محاورة ذاتي بالطريقة التي تلامس شغاف قلبي وتحسسني بالارتياح , أذكر ذلك اليوم الحزين من أيام الثانوية عندما باغتتني سناء بسؤال وقح فأجبت بعد محاولة يائسة وفاشلة في إيجاد جواب مناسب, أني أجد دوما صعوبة في إيصال ماأريد قوله بالكلام .. لتقاطعني ضاحكة : طبعا فأنت لا تتقنين إلا كتابة الرسائل ! لا أدري لماذا تذكرت دلك الحوار التافه الآن ربما ليزيد من الهالة الرمادية التي تحيط برأسي في هذه اللحظة! 
نعم أحب كتابة الرسائل , كتبت الكثير منها  , تبادلنا الكثير من القصاصات المكتوبة والخطابات أنا وصديقاتي ,أدمنت الكتابة لزمن لابأس به وكنت أحب تكرار كتابة وقول : أحب الكتابة.
لم أكن لأسمح بمرور يوم دون أن أكتب , ملأت العديد من الدفاتر والمذكرات ثم أحرقتها , كتبت يومياتي لسنوات فتخلصت منها , كتبت كل أسراري  الموجعة وأوهامي وشكوكي في أوراق بيضاء فبللتها بالماء وعصرتها وسقيت بالماء شجيرات حديقة البيت الذي كنا نسكنه.لم أكن ألقي بالا لكلماتي وجاذبيتها ولم أكن أنتقي حروفي وما كان يهمني أن يكون النص في الأخير متخما بالجمال, لم أكن أنشد لخواطري إلا الحياة ولشعوري الانعثاق . 
كانت الكتابة وسيلتي للحرية وكنت أحس حقا بعد كل فعل كتابة بالحياة , لم تكن كتاباتي رهينة باهتمام أو إعجاب أحد لأنها كانت وسيلة لتصالحي مع نفسي ولأني كنت أكتب لي ...لي فقط.عرفت من خلالها الكثير عني , الكثير مما كنت أجهله ومما كنت سأجهله دوما لولم أقرر في ذلك المساء الهادئ أن أجلس أمام عتبة البيت وأرفع عيني للسماء كي أتأمل القمر الذي لم يكتمل بعد ثم أكتب شيئا غير واجباتي المدرسية.
لا أذكر متى أو كيف سلمت لذلك الجزء مني مفاتيحي كي يقرر عني هو , وكيف سمحت له أن يؤجل كل شئ جميل في حياتي إلى أجل غير مسمى , لا أعرف إلا أني أصبت بالتخمة والإمتلاء جراء قراراته التافهة وأني صدقا اشتقت إلى الكتابة وإلى كل أحلامي الصغيرة  واهتماماتي الطفولية.










21 ديسمبر 2013

نسيت أنها تنسى ~ قصة


في لحظة ضعف وامتلاء وبعد نوبة بكاء دامت لساعات , اتصلت بصديقتها الجديدة  وباحت لها بكل شئ , عثراتها , خيباتها ,أسرارها الصغيرة و سرها الدفين الذي لم يحدث أن تجاوز أسوار جنباتها قط , ثم أقفلت السماعة ...كان همها الأكبر أن يحمل عنها شخص ما بعضا من همومها.
وفي لحظة صفاء وارتياح صارت تعض على أصابعها خوفا وتلطم خديها : ليت لساني انعقد وأخرسني الله قبل أن أتكلم ..
تلاعبت الوساوس بأعصابها كثيرا قبل أن تقرر أخيرا القيام بشئ ما عدا الندم ... ثم اتصلت بالصديقة ،
-عزيزتي , لاشك عندي أن لك من إسمك النصيب الأكبر لكن ,ليطمئن قلبي ,أريدك أن تعاهديني على ألا يبرح سري بين أضلعك أبدا 
- أي سر؟
- ما أخبرتك عنه في آخر اتصال بيننا
- طيب صديقتي , فلتقري عينا !
مضى من الوقت مامضى فالتقت الصديقتان وجلستا تتجاذبان أطراف الحديث ووتضاحكان , ولأن الشك لازال يفتك بعقلها قالت محاولة جس نبض صديقتها :
- رغم حداثة معرفتــي بك إلا أنك كنت أول من فكرت في الحديث معها عندما أضلعتني الخطوب وأثقلت الهموم كاهلـــي..
ابتسمت وفاء ولم تقل شيئا.
- لدرجة أنني بحت لك بسر إن حدث وأُفشي لانقلبت حياتي كلها وحياة أحبائي,أردفت عزيزة وهي تنظر إلى وفاء تستشف منها الجواب.
ساد الصمت بينهما قليلا فنظرت إليها وفاء بحزن وقالت:
- أريد أن أبوح لك بشئ كي تطمئني لكن عاهديني على كتمان سري أرجوك, 
- طبعا , كيف سأفشي سرك وأسراري كلها معك..
نظرت وفاء إلى أعلى الجدار وعيناها تفيضان من الدمع :
-لقد نسيت ما أخبرتني به ياعزيزة لأنني أعاني من خطب ما على مستوى ذاكرتي , لاأستطيع أن أتذكر الأحداث القريبة المدى ,أنسى كل شئ بسرعة... ويدمرني هذا الأمر , قد أصاب بالخرف ياعزيزة أتصدقين؟ ثم انهارت باكية .
-أهو الزهايمر يا وفاء؟ سألتها عزيزة بنبرة شفقة أعقبت تنهيدة ارتياح...
-لم نتأكد بعد , يتكلم الطبيب كثيرا عن "متلازمة كورساكوف " لكن الزهايمر أيضا وارد.. أكاد أنسى كل ذكرياتي وأسراري وأخاف أن أستفيق يوما وأسأل أمي من أنت؟ مسحت دموعها وابتسمت.
بعد أيام , أصبحت كل صديقات عزيزة يهاتفن وفاء ويبحن لها بأسرارهن ويسترسلن في الحكي دون قلق ...ولم يراودها شك أبدا.
ولم يحدث أن تساءلت كيف أنها أصبحت مشهورة في مدرستها - وهي التي لطالما كانت طالبة انطوائية  ...
ولم يراودها شك أبدا في خيانة صديقتها للوعد !
لأنها نسيت أنها باحت لصديقتها بسرها ,
نسيت متلازمة كورساكوف
نسيت أمر الطبيب  
ونسيت أنها تَنسى...

24 سبتمبر 2013

أوركيدا (2)



خرجت من المحل رفقة حامل الزهور, وعلى بعد خطوات كان العم مبارك فاغرا فاه داخل السيارة بعد أن غلبه النعاس ,
- طق طق طق , طرقت زجاج الباب الأمامي بحامل مفاتيحها وهي تتأمل وجه العجوزالنائم الذي لم يحرك ساكنا ,أعادت الكرة مرة أخرى بحدة كانت كفيلة بإيقاظ العم مبارك من سباته بطريقة بهلوانية جعلتها تبتسم للمرة الأولى منذ أزيد من شهر , أما الصبي فضحك بملء شدقيه وقال لا إراديا بعد أن فُتح باب السيارة :
- صح النوم  ياعم !
اكتفى السائق بالإبتسام , فارتمت خديجة داخل السيارة مشيرة إلى الصبي بوضع الباقة في الجهة الأخرى من المقعد الخلفي بعد أن سلمته عشرة دراهم.
شغل العم مبارك السيارة بروية وقبل أن ينطلق التفت إلى خديجة وأردف قائلا :
- سامحيني يا ابنتي ,  لا يخفى عليك أن النوم أصبح حليفي الأول ,
- والله إني أغبطك , أنت تعلم أني لم أذق الطعم الحقيقي للنوم منذ شهرين , كأن وجوده بقربي هو الذي كان يمدني بالسكينة, أفتقده يا عمي , أفتقده بشدة... تنهدت بعمق !
- لله ما أعطى وله ما أخد , كفاك عنادا واذهبي لزيارة الطبيب فبعض المهدئات قد تساعدك ..
- إن شاء الله , 
عاد الصمت ليكتنف المكان , فانشغل العم مبارك بالسياقة بينما وقع ناظر خديجة ,عن قصد, على باقة الأوركيد , انتزعت منها زهرة وقربتها إليها تستنشقها, ثم أسندت رأسها إلى الوراء وأغمضت عينيها...
وكانت حركة السيارة ورائحة الأوركيد كفيلتين بجعل الصور تتداعى أمام عينيها كشريط تلفزي , يظهرفي مقدمته ابنها الوحيد خالد وهو يرقص فرحا بعد أن أخذ منها وعدا بالحصول على أول حاسوب له بمناسبة عيد ميلاده السابع ,
- ماما , أخبرني هشام بأن أفضل الحواسيب هي Apple
- ياسلام !... وهي تضحك
- هو القائل يا أمي , وليس أنا , 
ضحك هو الآخر وطبع قبلة على خدها فحضنته وهمست في أذنه :
- سأذهب غدا لاختيار أفضل حاسوب لحبيبي الصغير , 
- أريد أن أرافقك ماما أرجوك ...
- طيب بني سنذهب معا بعد صلاة الجمعة , إذهب إلى سريرك الآن
- تصبحين على خير أمي
في اليوم الموالـــي , توجهت خديجة رفقة خالد إلى إحدى المحلات التجارية على متن سيارتها وابتاعت له حاسوبا على ذوقه ثم عرجت في طريقهما إلى البيت على محل  "طوق الياسمين " :
- سنختار زهورا تليق بك 
- طيب , وسأختارها أنا طبعا , وهو يضحك
- بالتأكيد , إنه يومك حبيبي
دخلا إلى المحل وبعد حديث قصير مع مريم , جلست خديجة على منضدة تراقب خالد وهو يتنقل من وردة إلى وردة كفراشة ملونة لينتهي أخيرا إلى زهرة ذات لون وردي أنيق وبصوت عالي قال وهو يشير إليها :
- ماما , هاته تليق بي 
- انها زهرة الأوركيد وهي فعلا تليق بك أيها الصغير , قالت مريم وهي تبتسم
- نريد باقة منها من فضلك ,
- حاضر سيدتي 
بعد أن جهزتها مريم ودفعت خديجة ثمنها , أبى خالد إلا أن يحمل باقة الأوركيد بنفسه ثم غادرا المحل باتجاه السيارة ,في الجهة الأخرى من الشارع ,عبر ممر للراجلين .
 - ماما , للأوركيد رائحتك , لقد أحببته مقدار حبي لك  , قال وهو يدني الباقة من أنفه ليجتذب رائحتها.
 انحنت تقبله ففاجأتهما معا سيارة بسرعة جنونية أردتهما أرضا فتناثرت زهرات الأوركيد جوا وتناثرت الدماء ...وبقي خالد على إثر الحادثة شهرا كاملا في العناية المركزة ليسلم الروح  بعد ذلك إلى بارئها متأثرا بإصابة على مستوى الرأس ...
- ابنتي خديجة لقد وصلنا
-حاضر , بصوت خنقته العبرات ,
كفكفت دمعها و حملت باقة الأوركيد ثم ترجلت من السيارة والألم يكاد يفجر رأسها , 
وبخطى متتثاقلة تجاوزت المدخل وهي تتمتم : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية ,
ثم بالقرب من قبر خالد وقفت وجعلت تدعوله وتبكي تارة وتحدثه تارة أخرى , وضعت باقة الأوركيد على القبر بعد أن أزالت منه الياسمينات واستدارت عائدة إلى السيارة وقد أحست ببعض من الصخرعلى صدرها قد انزاح...
- تفضل ياعمي مبارك , الياسمينات لك...باقة لمن في القبر وباقة لمن فوق الأرض
- شكرا ياابنتي
جلست في المقعد الأمامي بالقرب من السائق واستندت على الكرسي بمؤخرة رأسها , تنفست بصعوبة وقالت وقد أغمضت عينيها من شدة التعب:
- لم يعد لي أحد في هذه الدنيا ياعمي مبارك , لا أحد...
- لنا ولك الله ياابنتي , لنا ولك الله , أجاب وهو يدير مفتاح السيارة

~انتهى~

23 سبتمبر 2013

أوركيدا - قصة قصيرة




ارتدت عباءتها ووشاحها وخرجت من منزلها الفاخر متوجهة إلى موقف السيارات المؤقت على قارعة الطريق , في وقت كادت فيه الطرقات تخلو إلا من بعض المتشردين والشحادين ممن اعتادو الالتفاف حول " قصعة كسكس " يجود بها سكان إحدى الفيلات المجاورة كل يوم جمعة...

- السلام عليكم عمي مبارك , 
- عليكم السلام بنتي . كالعادة؟
- نعم نعم من فضلك...
-على بركة الله
بعد الحوار القصير جدا , انطلقت سيارة " خديجة " , و التي يشرف العم مبارك على سياقتها منذ مايزيد عن عشرين سنة ,
وكانت تنهيدات العجوزبعد الفينة والأخرى وتمتماته المبهمة تقطع على خديجة حبل أفكارها وتكسر الصمت القاتل داخل السيارة الفارهة .
- بنتي , وصلنا.... 
- خديجة ؟ خديجة ؟
- نعم؟  تساءلت بعينين ناعستين وصوت مبحوح
- لقد وصلنا بنيتي , سأنتظرك هنا

ترجلت من السيارة وتوجهت إلى محل راقي , أول ما يثير اهتمام الناظر إليه لوحة جميلة على واجهته الأمامية كتب عليها بخط عربي أنيق " طوق الياسمين "  ,

- أهلا بك سيدة خديجة , تريدين النوع المعتاد أم قررت انتقاء شئ مختلف اليوم ؟ بالمناسبة , وصلتنا أنواع وألوان غاية في الجمال و..
- لا لا , كالعادة مريم من فضلك, قاطعتها "خديجة" مستعجلة
- طيب تفضلي بالجلوس , سأجهزها حالا
انشغلت خديجة بتفقد هاتفها غير مبالية بكل الجمال من حولها , وبعد عشر دقائق بالضبط عادت الموظفة وهي تحمل باقة فخمة من الأوركيد بلون زهري فاتح تتخله ياسمينات مهداة من المحل ,وضعتها  فوق المكتب بهدوء وأخرجت من الدرج علبة فضية , فتحتها ثم قدمتها للسيدة خديجة :
- تفضلي سيدتي , اختاري الكارت المناسب...
أمسكت خديجة العلبة وهي ترتعش واختارت بعد دقائق معدودات  بطاقة رمادية بنقوش سوداء  , تشبه إحساسها في تلك اللحظة  ,
- تفضلي , اخترت هاته
- هل أطبع لك عليها إهداء خاصا أم تريدين كتابته بنفسك كالعادة؟
- سأكتبه بيدي شكرا لك , 
انهمكت خديجة في كتابة الإهداء بعد أن دفعت ثمن الباقة , وبعد انتهائها كلفت مريم مساعدا لها بإيصال الزهور إلى السيارة وتوادعتا في انتظار لقاء آخر يوم الجمعة المقبل,



< يتبع إن شاء الله >






21 سبتمبر 2013

عصيدة بنكهة الشوكولاتة والكريما



يصعب على المرء إحتمال فقدان السيطرة على أمور لطالما أحسن تدبيرها  ( إلى حد ما ) , ويصعب الاحتمال أكثر , عندما يحدث فقدان السيطرة  في وقت حرج تكون فيه كل الأعين مصوبة نحوه , لكن الأصعب من الأمرين معا برأيي, هوالقدرة على جعل الأمر غير المسقر في نصابه والخارج عن السيطرة أمرا جديدا , مضحكا , وجيدا نسبيا ...

الرأي أعلاه , بدأت في تبنيه منذ فترة حين وُجدت في موقف مماثل , هو موقف بسيط جدا وغير ذا أهمية لكن الجميل فيه هو أن نهايته كانت سعيدة برأيي وبرأي من كان حاضرا إذذاك في الموقف...
يومها قررت تنظيم حفلة بسيطة  في بيتنا على شرف أبناء أختي الصغار بمناسبة نجاحهم , وكنت قد وعدتهم قبلا بتحضير كعكة خاصة لهم إن وفقو في سنتهم الدراسية , وهو ماكان فعلا...
فعندما جاؤو لزيارتنا مباشرة بعد حصولهم على نتائجهم الدراسية أخبرتهم بأن وقت الحفلة الموعودة قد حان وبأنني سأفي بالوعد حالا , فبدأت أولا بتحضير الكيك الشهي بالشوكولاتة والكريما اللذيذة وتفننت في تزيينه وقضيت وقتا لابأس به في المطبخ وكان الصغار سعداء جدا ومنتظرين على أحر من الجمر ظهور الكعكة الجميلة , لم يستطيعو إلا أن يسترقو النظر بين كل حين وحين رغم دعواتي المتكررة لهم بالإنتظار والصبر إلى حين انتهائي غير أن  شغبهم الطفولي حال دون ذلك
بعد انتهائي من المرحلة الأولى وضعتها في الثلاجة قليلا وهو ماأثار حفيظتهم لينفذ صبري أيضا فقررت إخراجها قبل تماسك الكريمة وانهمكت في كتابة أسمائهم على الحلوى وتزيينها بالسكاكر الملونة والشوكولاته وهم من حولي يتمازحون ,
 أخيرا جهزت الكعكة  ... ما ان سمعو البشرى حتى تسابقو نحو أماكنهم انتظارا لتقديمي لها , وهو ما أردت فعله غير أن الحظ لم يكن حليفي فعندما حاولت حملها انقلبت بين يداي رأسا على عقب , تسمرت في مكاني ولم أعرف ماالعمل فالأولاد في الصالة ينتظرون كيكا صارعصيدة , وقفت مذهولة أمام المشهد فجاءت ابنة اختي لتستفسر عن تأخر وصول ملكة الحفلة الصغيرة ,وجدت المفاجأة , كومة من شئ يشبه الكيك , متجانس مع شئ كأنه الكريمة ومزين بألوان عديدة متناثرة هنا وهناك بلا شكل محدد ,الكل داخل طبق جميل ملطخ بصوص الشكلاطة لكنه لايوحي بحفلة نجاح ولا بأي مظهر من مظاهر الفرح...
تناثرت من عيناها الصغيرتان تساؤلات عديدة وحزن صغير ولوم كبير لم تستطع اخفاء اي من ذلك فانهالت علي بوابل من التعابير غير المرتبة تروم من خلالها لومي حيث حملتني مسؤولية ماوقع وأن انهيارالكيك راجع لتأخري ومبالغتي  في تزيينه, متناسية أنها كانت معجبة كثيرا بشكله  قبل أن يتحول إلى ماأصبح عليه بعد ذلك :
اوة صافي هادشي لي بغيتي
كن غير حطيتيها لينا بلا زواق
تهنيتي دابا
لوحيها
مبقات حفلة
الخ الخ......
رمقتها بنظرة غضب جعلَتها تكف عن التعليقات ثم أسرعت إلى الغرفة لتنقل الخبر الطارئ للمنتظرين هناك وعادت إلي رفقة أخيها المتفاجئ بدوره فألقيا نظرة ثم عادا أدراجهما , غسلت يداي من الشوكولاتة العالقة بهما وحملت الطبق وأنا أنظر اليه وأتحسر على الوقت الذي ضيعته هباء , وعم المطبخ حزن وبقايا متناثرة هنا وهناك ..
بعد حسرة وتفكير وبعد ارتياح في أذناي أعقب احمرارا وحرارة ,نقلت العصيدة/الكيك إلى طبق آخر نضيف وشكلته على شكل (مقلوبة) ثم جعلت السكاكر الملونة على وجهها , كل ذلك والأطفال يائسين صامتين  أمام التلفاز  , 
توجهت إلى الصالة حيث جلس الصغار رفقة أهلي وأخواتي , وبيدي طبق العصيدة على شكل مقلوبة وبنكهة الشوكولاتة , وماأن دخلت حتى اهتزت الصالة على وقع ضحك  الكباروصراخ الصغار الذين حامو حول الطبق السحري وهم يقهقهون ويرقصون , على أنغام هستيرية  ضحك متوالي شكل سمفونية أجمل من أشهر السمفونيات العالمية, واحتفاءً بشبيه الكيك الذي كان ألذ من أشهر الكعكات الفاخرة خاصة بعد أن أكلناه بأيدينا كالكسكس دون وجود لأي نوع آخر من الحلويات أو المشروبات ساخنة كانت أو باردة  فكعكتنا أغنتنا عن باقي المرفقات,
وكانت تلك أجمل حفلة على الإطلاق برأي أولاد أختي الذين لازالو يذكرونها ويتذكرونها والغبطة تتراقص من أعينهم أما أخواتي وأمي فكان تعليقهن الوحيد غير الضحك :
هل كنا سنضحك بهذا القدر لو أن الكعكعة نجحت ولم تفقدي السيطرة عليها؟
شئ وحيد لازلت أتحسر عليه وهو عدم توثيقي للحادثة بصور للهالكة قبل وبعد ... المفاجأة أنستني كل شئ آخر, لكنها كانت سعيدة في النهاية وهذا هو المهم.




28 أغسطس 2013

تفكير وتفكير,


عندما أفكر كثيرا أتنكد ,فهل يصح أن أقول :
أنا أفكر إذن أنا متنكدة ...

في بعض الأحيان قد يفيدنا التغابي واللامبالاة خاصة عندما تدفعنا المبالغة في التفكير إلى الطيران قرب محطات محضورة والبحث عن أجوبة غير موجودة لمسائل ميتافيزيقية , أما عند التفكير في الماضي وصفعاته وتأويل أقاويل بني البشر ووقائع العالم ففقدان الذاكرة الوقتي قد يكون أفضل إن أردنا الحفاظ على سلامة عقولنا و متابعة المسير في دروب هذه الحياة ومتاهاتها...

نزف الأوطان




الرابع من حزيران يوم ميلادي
أتمناه عيدا مختلفا ,
بعبق الأمنيات
وبرائحة ورد من بلاد الياسمينات
في عيد ميلادي , أريد
هدايا كثيرة
كثيرة جدا, بعدد ضحايا الثورات :
أريد سوارا من ياسمين شامي
كوفية مقدسية من فلسطين
شربة ماء من النيل
قليل من هواء مابين النهرين
وأريد مناديل ورقية ومناشف
لأنني سأبكي
 والموسيقى من حولي تترنح
 من دون إيقاع
سأبكي في عيد ميلادي كل شئ
نفسي , وطني , حريتي
وأوطاني الغارقة في الدماء
سأحتفل, ولو حرمو الإحتفال
ساغمض عيني وأعلن عن أمنيتي
للهدايا وللوطن
سأطفئ شموعي على إيقاع النواح
و سأنام على صدى أنين ميانمار
وفي يدي هدية من كل وطن
ثم سأعتزل بعد ذلك, الإحتفال
وسأنسى الرابع من حزيران














20 أغسطس 2013

هلوسة ليلية ...



كلما قرأت شيئا عن الحب أتساءل عن شكله , أتخيله وأفترض أني بلدة نائية بين جبال الريف منسية طريقها وعرة . أيها الحب , عدم وصولك إلي حقيقة  قد بلعتها بشربة ماء وعطسة , لكن تواتر الحديث عنك أمامي من طرف الذين عرفوك وأصابهم جنونك هو الذي يتوسط حلقومي كالغصة  , تبا فليخبروني فقط هل يشبه الشوكولاتة وليصمتو فلا يهمني في شئ أن يكون شكله كالقلب فليكن حتى بشكل المكنسة...
 (مجرد هلوسة ليلية) 

19 أغسطس 2013

إنْــسانْ ~ ق.ق.ج

جاء دوره فاقترب منه المعلم وربت على كتفه قائلا : وأنت يا معاذ , ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ ارتبك قليلا ثم أجاب بصوت مبحوح : أريد أن أكون إنسانا ,
ضحك منه جميع من في الصف, فتوردت وجنتاه وانفجر باكيا وقرر منذ ذلك الحين ألا يكون إنسانا أبدا ...

صمت الكلام

ياإلهي كم اشتقت إلى الكتابة...
وكم اشتقت إلى مدونتي التي أهواها , والتي أسعد بزيارتها وبازدياد عدد زائريها ,
مر وقت طويل على آخر مرة كتبت فيها , وبين آخر تدوينة وهاته حاولت مرارا الكتابة ولم أستطع فلكل المستجدات السياسية ولكل تلك الأخبار عن التخريب والفوضى والقتل والدماء وصور القتلى يد في عسر الولادة الذي أصاب مخيلتي , تداخل كل شئ بسرعة رهيبة ولم أدر عماذا أكتب , هل أكتب عن الحاصل في المغرب بعد العفو الملكي ,أو عن القتل في مصر الحبيبة , أو استمرار الوضع في سوريا الجريحة , أم أكتب عن أخي في ذكرى وفاته أم عن البحر الذي غطت الأجساد العارية شطآنه...
حاولت مرارا كسر الروتين الذي أصاب أيامي بالكلام عن أي شئ  أو عن لاشئ لكن قلمي أبى إلا أن يلتزم الصمت فطاوعته و اخترت الصمت ولا شئ غير الصمت , وجاءت الأوضاع الراهنة في مصر والتي تجعل أي قلب مهما قسى وتحجريلين ويتألم , لتجعل القرار يتجدر أكثر فاخترت عن اقتناع تام وليس عن ضغط من مخيلتي, أن أصمت, ومن قال أن الصمت عار في ظل كل مايقع اقول له من هذا المنبر أن بعض الكلام من غير علم ولا سابقة معرفة هو عمق العيب وقمة العار ...
لن أنتقد الذين ملأو العالم جعجعة ولم يرى لهم طحين, ولا الذين يكتبون وهم غير واعون بالتناقض في فحوى كلامهم , لن أنتقد أي أحد لأنني لا أرى نفعا من انتقاد الآخرين مادمت أتخبط وأصارع كي أغير من نفسي وأقومها فإن كان هناك من يستحق مني أن أنتقده فهو أنا ,ثم إن حريتي تنتهي عند بدء حرية الآخر ولاحق لي كي أنتقد من ولد حرا ليقول كل مايؤمن به وكل مايراه صوابا وفوق هذا وذاك لا أريد حمل أوزار فوق أوزاري فلي فم ولهم أفواه ولي كتابي ولهم كتبهم...
ولن أخفي أمرا , أنه في أحايين كثيرة أمتنع عن الكتابة والخوض في بعض المواضيع مخافة الوقوع في المحظور ومخافة اصابة قوم بجهالة وأنا لا أعلم فالعلم وحده القادر على جعلي أتكلم ولأني لا زلت أبحث عن المعرفة وأتعلم فامكانية وقوعي في المحظور كبيرة فلماذا سأجازف وأنا أعلم أن صمتي خير من الكلام ؟ ثم أولا وأخيرا لا أحبذ الكلام إلا عندما يكون لدي ماأقوله ولا أرى من نفع في الكلام من أجل الكلام لذلك أنسحب ببطئ وأتابع بصمت مايقع وما يقال ولا أرى أي عيب في ذلك لأني أؤمن كثيرا بأن من بين أقوى الأسباب التي جعلتنا نفترس بعضنا أننا نكثر من الكلام واللغط في أيامنا ولا نعطي مساحة حرية للآخر ليعبر عن رأيه, تعصبنا لآراءنا وعبرنا عن أشياء اعتبرناها اراء وهي ليست سوى أضغاط أراء أو أقل من ذلك , وكم من المشين أن يخرج علينا أحد ينادي بالحرية والحق في التعبير وعندما يخالفه أحد الرأي تجده يكشر عن أنيابه ولا ينقصه إلا أن يضرب الأعناق و يقطع الرؤوس كأن رأيه هو الوحيد الأوحد الصائب ولا مكان لاحتمال وجود ذرة خطأ فيه ,وكأن تبني رأي مضاد لرأيه حرب على شخصه فلا هو يفرق بين الرأي والشخص ولا بين النقاش والمسايفة...
لا أدري متى سنتعلم أدب الحوار , ومتى سنطبق على أنفسنا نفس الأحكام التي ننادي بتطبيقها على الآخر ومتى سنتخلص من عقدة : حلال علي حرام عليكم , 
ومتى سنتعلم أن نفس الحق الذي يتمتع به الذي اختار أن يتكلم ,يتمتع به أيضا من اختار الصمت  وآثره على الكلام فلماذا ننتقذ الذين يصمتون وننعتهم بعديمي الاحساس والخائفين أو الجبناء وبأي حق نجعل من الصمت جريمة؟
ولازال للكلام بقية...ولازالت غصة مصر تتربع على عرش الجروح النازفة في جسد الأمة الاسلامية ولازالت سوريا وبورما وفلسطين والعراق وووو تنتظر منا ماهو خير من الكلام وأحسن من الصمت ...