لاأظن أن هناك ما أو من يحرمني من حريتي أكثر من ذلك الجزء مني الذي لاأعرفه جيدا والذي تركت له سلطة التحكم في كل ذرة مني دوأن أذكر كيف جرى ذلك أو متى , هل كانت صفقة أو هبة أو مقايضة أم أنه كان تنازلا مهينا؟ لا أعرف ولم يعد يهمني أن أعرف أي شئ ...
أحب أن أكتب , أكتب ذلك مرارا وتكرارا , كتبته عشرات المرات ولازلت مؤمنة بأنني أحب أن أكتب , لازلت متمسكة بحقي في محاورة ذاتي بالطريقة التي تلامس شغاف قلبي وتحسسني بالارتياح , أذكر ذلك اليوم الحزين من أيام الثانوية عندما باغتتني سناء بسؤال وقح فأجبت بعد محاولة يائسة وفاشلة في إيجاد جواب مناسب, أني أجد دوما صعوبة في إيصال ماأريد قوله بالكلام .. لتقاطعني ضاحكة : طبعا فأنت لا تتقنين إلا كتابة الرسائل ! لا أدري لماذا تذكرت دلك الحوار التافه الآن ربما ليزيد من الهالة الرمادية التي تحيط برأسي في هذه اللحظة!
نعم أحب كتابة الرسائل , كتبت الكثير منها , تبادلنا الكثير من القصاصات المكتوبة والخطابات أنا وصديقاتي ,أدمنت الكتابة لزمن لابأس به وكنت أحب تكرار كتابة وقول : أحب الكتابة.
لم أكن لأسمح بمرور يوم دون أن أكتب , ملأت العديد من الدفاتر والمذكرات ثم أحرقتها , كتبت يومياتي لسنوات فتخلصت منها , كتبت كل أسراري الموجعة وأوهامي وشكوكي في أوراق بيضاء فبللتها بالماء وعصرتها وسقيت بالماء شجيرات حديقة البيت الذي كنا نسكنه.لم أكن ألقي بالا لكلماتي وجاذبيتها ولم أكن أنتقي حروفي وما كان يهمني أن يكون النص في الأخير متخما بالجمال, لم أكن أنشد لخواطري إلا الحياة ولشعوري الانعثاق .
كانت الكتابة وسيلتي للحرية وكنت أحس حقا بعد كل فعل كتابة بالحياة , لم تكن كتاباتي رهينة باهتمام أو إعجاب أحد لأنها كانت وسيلة لتصالحي مع نفسي ولأني كنت أكتب لي ...لي فقط.عرفت من خلالها الكثير عني , الكثير مما كنت أجهله ومما كنت سأجهله دوما لولم أقرر في ذلك المساء الهادئ أن أجلس أمام عتبة البيت وأرفع عيني للسماء كي أتأمل القمر الذي لم يكتمل بعد ثم أكتب شيئا غير واجباتي المدرسية.
لا أذكر متى أو كيف سلمت لذلك الجزء مني مفاتيحي كي يقرر عني هو , وكيف سمحت له أن يؤجل كل شئ جميل في حياتي إلى أجل غير مسمى , لا أعرف إلا أني أصبت بالتخمة والإمتلاء جراء قراراته التافهة وأني صدقا اشتقت إلى الكتابة وإلى كل أحلامي الصغيرة واهتماماتي الطفولية.